مقدمة المترجم والمراجع
نشهد اليوم عصرًا يشهد تسارعًا مذهلاً في التقدم التكنولوجي، حيث تغزو الابتكارات والتحولات الرقمية حياتنا اليومية بوتيرة أسرع من قدرتنا على استيعابها، مما يطرح تحديات جديدة وفرصًا واعدة، وفي ظل هذا التطور المتسارع، يواجه قطاع التعليم تحديات كبيرة في مواكبة أحدث المناهج والأساليب التقنية؛ ومع ذلك، فإن التحولات الرقمية تحمل في طياتها فرصًا عظيمة لتطوير العملية التعليمية وتوسيع آفاق المعرفة، فيتعيّن علينا لاستغلال هذه الفرص بشكل أمثل، أن نعتمد على منهجية واضحة ملتزمة بمبادئ وضوابط الشريعة الإسلامية.
إن الشريعة الإسلامية، بحكم كونها شاملة لكل مناحي الحياة، تقدم الإطار الأخلاقي والقيمي الذي يجب أن يٌبنى عليه كل مجال، ومنها التعليم، فهي تشجع التطور العلمي والمعرفي، وتوجهه نحو تحقيق الخير للفرد والمجتمع، فالعلم يوسع مدارك الإنسان ويزيد إيمانه بربه، كما أنه يساعد على فهم الكون وقوانينه قال الله تعال: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ."(سورة المجادلة، الآية، 11)، هذه الآية تربط بين الإيمان والعلم، وتشير إلى أن العلم يرفع درجة الإنسان، فيمكننا بسهولة دمج المناهج العالمية الحديثة في التعليم الشرعي، حيث تركز على قياس الثمرات التعليمية وتراعي الفروق الفردية؛ بحيث يمكن أن تسهم بشكل كبير في تطوير العملية التعليمية مدعوما باستغلال العالم الرقمي في عرض البرامج والمناهج بشكل تفاعلي، والوصول إلى كل طالب علم، وهذا لا يتأتى إلا بالحفاظ على القيم والأخلاق الإسلامية، فيمكننا بناء نظام تعليمي متكامل يجمع بين المعرفة العلمية والأخلاق الفاضلة، مما يخرج أجيالاً قادرة على مواجهة تحديات العصر والحفاظ على هويتها الإسلامية.
ممّا سبق يُولد لنا هذا الكتاب الذي بين أيدينا للدكتور شعياء عثمان المؤلّف لـ: سلسلة كتب لدمج مقاصد الشريعة الإسلامية في تنمية الأمة اقتصاديا، اجتماعيا، علميا، ثقافيا، وإداريّا، فيمثل عمل الدكتور شعياء عثمان نقلة نوعية في مجال التعليم السيبراني، حيث قدم إسهامًا مبتكرًا بتوسيع نطاق مفهوم السيبرانية ليشمل التعليم بشكل عام، متجاوزًا بذلك التركيز التقليدي على الأمن السيبراني. وقد تجلى ذلك في اختياره لعنوان الكتاب " مقاصد الشريعة استراتيجية للتعليم السيبراني الإسلامي"، الذي يوضح هدفه في ربط التعليم السيبراني بالتعاليم الإسلامية ومقاصد الشريعة، أي: تقديم استراتيجية مبنية على مقاصد الشريعة لتطبيقها في مجال التعليم السيبراني. وذلك بابتكاره نموذج جديد يستند إلى مفهوم سلسلة القيمة لبورتر، ليتم تطبيقه على البيئة التعليمية الرقمية، مع ضمان دمج القيم الإسلامية في كل مرحلة من مراحل العملية التعليمية، بدءًا من تصميم المناهج وصولاً إلى الخدمات المقدمة للطلاب وتطوير البنية التحتية الرقمية، كما لم يفوّت المؤلف الفرصة ليضع بين أيدينا، رؤية مستقبلية للتعليم الإسلامي من خلال اقتراح نموذجين مبتكرين هما المركز الدولي للتعليم السيبراني الإسلامي (IICEC) والجامعة السيبرانية الإسلامية الدولية (IICU)، بهدف تحقيق نقلة نوعية في التعليم الإسلامي عبر توفير منصات تعليمية متقدمة ومرنة، تصل إلى شرائح واسعة من المتعلمين في مختلف أنحاء العالم، فمن خلال IICEC، يمكن للمتعلمين الوصول إلى مجموعة واسعة من البرامج التعليمية من مختلف الجامعات الشريكة، بينما تقدم IICU تجربة جامعية كاملة عن بعد، تضمن جودة تعليمية عالية مع الحفاظ على القيم الإسلامية، مذيّلا هذان المقترحان بالإجراءات العملية اللازمة لإنشاء النموذجين على أرض الواقع.
ختاما، فإنّ هدفنا الأسمى هو بناء مجتمع صالح يرضى الله ورسوله، وللوصول إلى هذا الهدف، يجب علينا أن نستفيد من تجارب الأمم الأخرى، مع الحرص على تكييفها وفقًا لمبادئنا الإسلامية، فبهذه الطريقة يمكننا تحقيق التقدم والازدهار في الدنيا والآخرة.
وإنّي لأسأل الله تعالى التوفيق والسداد في اختياري للمصطلحات والترجمة دون أن أنقص من جوهر وفكرة الكتاب.
والله الموفق،
ترجمة وراجعة: د. الطيب مبروكي
وكيل الجامعة للشؤون الأكاديمية- السابق-
جامعة المدينة العالمية – ماليزيا-
يم الكتاب
في ظل التحول الرقمي المتسارع في التعليم، يواجهنا تحدي الحفاظ على القيم الأخلاقية، وللاستفادة من هذا التقدم الرقمي يقدم هذا الكتاب حلًا مبتكرًا من خلال تقديم نموذج للتعليم السيبراني المستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، ليوازن بين متطلبات العصر واحتياجاتنا الروحية، كما يقدّم المؤلف إطارًا عمليًا لمواءمة التقنيات الحديثة مع القيم الإسلامية، ليصنع جيلًا متعلمًا وواعٍ بقيمه.
يقدم هذا العمل إطارًا مبتكرًا لتطبيق نموذج سلسلة القيمة على التعليم السيبراني لـ شعياء عثمان (2024)، مستلهماً مقاصد الشريعة الإسلامية، من خلال نموذج بورتر لسلسلة القيمة على البيئة التعليمية الرقمية، مع ضمان انعكاس القيم الإسلامية على جميع جوانب العملية التعليمية السيبرانية من خدمة الطلاب وتصميم المناهج وتطوير المنظومة التقنية، ويحرص المؤلف هنا على التطبيق الدقيق للنموذج والذي سيؤدي إلى تطوير نظام تعليمي متكامل يراعي الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والتنموية للفرد والمجتمع، كما يوفر هذا النموذج خارطة طريق للمؤسسات التعليمية لتصميم وتنفيذ برامج تعليمية تعزز التنمية الشاملة للفرد والمجتمع.
يقترح الكتاب نموذجين مبتكرين هما المركز الدولي للتعليم السيبراني الإسلامي (IICEC) والجامعة السيبرانية الإسلامية الدولية (IICU) لتوسيع نطاق التعليم الإسلامي عالميًا. بحيث يهدف هذان النموذجان إلى تحقيق نقلة نوعية في التعليم الإسلامي، من خلال توفير فرص تعليمية متاحة للجميع وعالية الجودة، وتلبية احتياجات المتعلمين في مختلف أنحاء العالم، وذلك بعقد بحيث، يوفر IICEC منصة شاملة للوصول إلى برامج تعليمية متميزة لتبادل الخبرات من مختلف الجامعات الشريكة، بينما تقدم IICU تجربة تعليمية جامعية كاملة عن بعد، مما يضمن جودة تعليمية عالية مع الحفاظ على القيم الإسلامية.
يمثل هذا الكتاب دليلًا ومرجعًا شاملاً للمعلمين والإداريين وصناع السياسات الراغبين في دمج التكنولوجيا في التعليم الإسلامي بطريقة تتوافق مع القيم الأخلاقية. إنه عمل رائد يفتح آفاقًا جديدة في مجال التعليم الرقمي الإسلامي.
قدّمه:
الأستاذ الفخري داتو ويرا الدكتور جميل عثمان
مستشار،
المعهد الدولي للفكر الإسلامي (IIIT) الولايات المتحدة الأمريكية،
المركز الإقليمي لشرق وجنوب شرق آسيا، ماليزيا
الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا 08, [IIUM] نوفمبر 2024